الصائمون على طبقتين
أحدهما : من ترك طعامه و شرابه و شهوته لله عزّ و جل يرجو عنده عوض ذلك في الجنة
فهذا قد تاجر مع الله وعامله، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولا يخيبُ معه من عامله، بل يربحُ عليه أعظم الربح.
وقال - صلى الله عليه وسلم - لرجل: «إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله: إلا آتاك الله خيرًا منه» رواه أحمد.
فهذا الصائمُ يُعطى في الجنة ما شاء من طعام وشراب ونساء، قال تعالى:
{ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } قال مجاهدٌ وغيره: نزلت في الصائمين.
وقال يعقوبُ بن يوُسف: بلغنا أن الله تعالى يقول لأوليائه يوم القيامة: يا أوليائي، طالما نظرت إليكم في الدنيا،
وقد قَلَصَتْ شفاهكم عن الأشربة، وغارت أعينكم، وخفقت بطونكم، كونوا اليوم في نعيمكم،
وتعاطوا الكأس فيما بينكم، وكلوا واشربوا هنيئًا بما أسلفتم في الأيام الخالية.
وقال الحسن: تقول الحوراء لولي الله، وهو متكئ معها على نهر العسل، تعاطيه الكأس:
إن الله نظر إليك في يوم صائفٍ بعيد ما بين الطرفين، وأنت في ظمأ هاجرةٍ من جهد العطش، فباهى بك الملائكة،
وقال: انظروا إلى عبدي، ترك زوجته وشهوته، وطعامه وشرابه من أجلي، رغبة فيما عندي،
أشهدكم أني قد غفرت له، فغفر لك يومئذ، وزوَّجنيك.
وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إن في الجنة بابًا يقال له الريانُ، يدخلُ منه الصائمون،
لا يدخل منه غيرهم» وفي رواية:
«إذا دخلوا أُغلق» وللطبراني عن سهل مرفوعًا:
«لكل باب من أبواب البرّ بابٌ من أبوابِ الجنة، وإن باب الصيام يُدعى الريانُ».
وله في حديث عبد الرحمن بن سمرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه الطويل:
«ورأيت رجلًا من أمتي يلهثُ عطشًا، كلما دنامن حوضٍ طُرد، فجاءه صيامُ رمضان فسقاه وأرواه».
وروى ابن أبي الدنيا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : «بعث أبا موسى على سريةٍ في البحر، فهتف بهم هاتفٌ:
يا أهل السفينة، قفوا أخبركم بقضاء الله على نفسه: أن من عطَّش نفسه في يومٍ حارٍّ كان حقًا على الله أن يُرويه يوم القيامة»،
وللبزّار: «في يومٍ صائفٍ، سقاهُ اللهُ يوم العَطشِ».
وللبيهقيِّ عن عليّ مرفوعًا: «من منعه الصيامُ من الطعام والشراب، أطعمه اللهُ من ثمار الجنة، وسقاهُ من شرابها».
وذكر ابن أبي الدنيا عن أنس مرفوعًا: «الصائمون ينفحُ من أفواههم ريح المسك، وتوضع لهم مائدة تحت العرش،
يأكلون منها والناسُ في الحساب». وعن أنس موقوفًا: «إن لله مائدةً لم تر مثلها عينٌ، ولم تسمع أُذُنٌ ولا خطر على قلب بشر،
لا يقعدُ عليها إلا الصائمون».
وعن بعض السلف قال: بلغنا أنه يوضعُ لهم مائدةٌ يأكلون منها والناسُ في الحساب،
فيقولون: يا ربَّنا نحن نحاسبُ وهؤلاء يأكلون؟
فيقال: إنهم طالما صامُوا وأفطرتُم، وقاموا ونُمتمْ. ورأى بعض العارفين في منامه، كأنه أدخل الجنة، فسمع
قائلاً يقول له: هل تذكر أنك صمت لله يومًا قط؟ فقال: نعم؛ قال: فأخذتني صواني النثار من الجنة. ومن ترك في
الدنيا لله طعامًا وشرابًا مدة يسيرةً، عوضهُ اللهُ عنه
طعامًا وشرابًا لا ينفدُ، وأزواجًا لا تَمُتْنَ أبدًا.
شهر رمضان في يزوّج الصائمون
في الحديث: «إن الجنة لتزخرف وتُبَخَّرُ من الحول إلى الحول لقدوم شهر رمضان.
فتقولُ الحورُ: يا رب اجعل لنا في هذا الشهر، من عبادك أزواجًا، تقرُّ أعيُننا بهم، وتقرُّ أعيُنُهم بنا»
وفي حديث آخر: «إن الحور تنادي في شهر رمضان: هل من خاطب إلى الله فيزوجُهُ؟».
مهورُ الحور العين: طولُ التجهد، وهو: حاصل في شهر رمضان أكثر من غيره.
والثانيةُ: من الصائمين من يصوم في الدنيا عما سوى الله، فيحفظُ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى،
ويذكر الموت والبلى،
ويريدُ الآخرة ويترك زينة الدنيا،
فهذا: عيدُ فطره يوم لقاء ربه، وفرحه برؤيته.
يا معشر الصائمين: صوموا اليوم عن شهوات الهوى، لتدركوا عيد الفطر يوم اللقاء،
لا يطولنَّ عليكم الأملُ، باستبطاء الأجل، فإن معظم نهار الصيام قد ذهب،
وعيد اللقاء قد اقترب.
وظائف رمضان :: المقدّمة ,, فضل شهر رمضان
وظائف رمضان :: بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة