¨المقابلــة :
تعريف المقابلة :
المقابلة هي أداة بارزة من أدوات البحث العلمي، و هي من أهم الوسائل المعتمدة عليها في جمع المعلومات، و هي ليست حكرا على الإرشاد و التوجيه و العلاج النفسي، بل هي كذلك أسلوب هام في ميادين عديدة مثل الطب و الصحافة و المحاماة و إدارة الأعمال و الخدمات الاجتماعية بصفة عامة.
و المقابلة هي عبارة عن علاقة اجتماعية مهنية دينامية، و تبادل لفظي وجها لوجه بين شخصين أو أكثر، فالشخص الأول هو الأخصائي القائم بالمقابلة ثم الشخص أو الأشخاص الذين يتوقعون المساعدة و بناء علاقة ناجحة في جو نفسي امن تسوده الثقة المتبادلة بين الطرفين، و هي ترمي إلى جمع المعلومات من اجل إيجاد حل لمشكلة ما.
إذن فالمقابلة ليست مجرد محادثة عادية أو إشباع لرغبة الحديث بين طرفين، بل هي عبارة عن تبادل معلومات و توظيف خبرات و إبداء مشاعر و إظهار اتجاهات بكل أمانة و صدق.
شروط نجاح المقابلة :
المقابلة التي يراد لها النجاح لابد أن ترتكز على شروط معينة يجب أن يستوفيها الباحث منها شروط عامة تشترك فيها كل وسائل جمع المعلومات، و هي :
1- السرية : المعلومات المتحصل عليها يجب أن تبقى سرا بين العميل و الأخصائي القائم بالمقابلة، و تحفظ بأمانة بحيث لا يمكن أن يطلع عليها الأشخاص العاديون و الذين ليست لهم علاقة بميدان الاختصاص.
2- التخطيط : هو التحديد المسبق لوسيلة جمع المعلومات و تحديد المعلومات المطلوب الحصول عليها و الهدف من الوصول إليها.
3- التنظيم : كل المعلومات المتحصل عليها يجب أن تنظم في تسلسل و وضوح.
4- الدقة : و هي الدقة في الحصول على معلومات مطابقة للواقع و كذلك بالنسبة لتفسيرها و استنتاج دلالاتها بأسلوب علمي.
5- الموضوعية : هنا يجب الابتعاد عن الذاتية و الآراء الشخصية للمرشد قدر الإمكان.
6- المعيارية : و يقصد بها الحكم على العميل في ضوء المعايير الخاصة بجنسه و سنه و مستواه الثقافي.
7- التسجيل : يجب أن تسجل كل المعلومات التي يتم الحصول عليها حتى لا تكون عرضة للنسيان و ذلك بتسجيلها مباشرة عقب الحصول عليها.
أما الشروط الخاصة بالمقابلة كوسيلة لجمع المعلومات، فهي :
أ- أن يتمكن الأخصائي القائم بالمقابلة من تكوين علاقة ألفة و مودة مع العميل.
ب- التحدث بلغة بسيطة و واضحة حسب مستوى العميل.
ج- جعل المقابلة موقف تعلم و فرصة لزيادة فهم الذات و الاستبصار لدى العميل و جعله يكتسب طريقة التفكير المنطقي و تحمل المسؤولية.
د- ضرورة تحلي المختص بسمات الطيبة و البشاشة و الأمانة و الإخلاص لأجل خلق علاقة إنسانية ودية مع العميل.
أهمية المقابلة :
بات واضحا مما سبق ذكره أن للمقابلة دورا بارزا في جمع المعلومات و البيانات، مما يسهل للأخصائي القائم بالمقابلة فهم الحالة فهما شاملا، و بالتالي يسهل عليه دراستها و إرشادها ثم توجيهها. و تبرز أهمية المقابلة في كونها عملية إتاحة الفرصة للتعبير الحر عن الآراء و الأفكار و سرد المعلومات و الخبرات بين الأخصائي و عملائه، حيث تتحول من أداة للاتصال إلى وسيلة التقاء إلى تجربة عملية يتاح للعميل من خلالها أن يتعلم شيئا عن نفسه و اتجاهاته و عن العالم من حوله، و بالتالي فهي تساعد على تكوين أساليب تفكير جديدة و عادات سلوكية مرغوبة و مصدر لكسب المزيد من المعلومات المفيدة.
أسس المقابلة :
1- الإصغاء : أي الإصغاء الدقيق من طرف الأخصائي لكل كلمة يتفوه بها العميل، و هو يختلف عن الاستماع لأنه عبارة عن مشاركو وجدانية.
2- الأسئلة : إن الأسئلة المحددة غالبا ما تطرق هدفا محددا و توجه المقابلة إلى الاتجاه المفيد.
3- الدوافع : الدوافع اللاشعورية مخفية، غير أن الأخصائي يتفطن إليها من خلال تعبيرات وجه العميل و كلماته و أنماط سلوكه، و ذلك يساعد على فهم الحالة الماثلة.
4- التناقضات : قد يقع العميل في ظروف ما في تناقضات يجب على الأخصائي التفطن إليها.
5- التقبل : تقبل العميل كما هو، و معنى ذلك هو تقبل الاتجاهات و الانفعالات دون الموافقة العمياء عليها، فاحترام العميل لا يتنافى مع توضيح الخطأ في اتجاهاته و آرائه بأسلوب تدريجي.
6- جو المقابلة : ما دامت نتيجة المقابلة مسؤولية مشتركة بين الأخصائي القائم بالمقابلة و العميل، فانه من الواجب التحدث في جو يسوده الوئام و العلاقة الحميمة.
7- الاقتراحات : إن المقابلة مبينة على عدة اقتراحات، و يلعب الأخصائي دورا هاما في تثبيت صحتها أو يقوم بتعديل بعض نقاطها.
تخطيط المقابلة :
يتم إجراء المقابلة في خطوات مرنة و هي أجزاء يكمل بعضها بعض :
1- الإعداد : و يتمثل في التخطيط المسبق و إعداد المحاور الرئيسية للمقابلة و موضوعات المناقشة و تحديد أسلوب بدا المقابلة و الأسئلة الرئيسية، و الاطلاع على المعلومات المتحصل عليها بطرق و وسائل أخرى.
2- الزمان : يجب أن يكون الزمان كافيا لإجراء المقابلة، فالمقابلة العاجلة لا تأتي بنتيجة، و تحديد الوقت يختلف من عميل إلى أخر، غير أن متوسط الوقت هو 45 دقيقة.
3- المكان : عموما هو غرفة خاصة هادئة خالية من الضوضاء و المقاطعات و التدخلات، و كل ما كانت في مكان يألفه العميل كانت أفضل، مما يساعده على الاسترخاء و الراحة و الشعور بالطمأنينة، كما أن أثاث الغرفة يجب أن يكون مرتبا و متناسقا و يحتوي على بعض الزهور.
4- البدء : عادة يبدأ الأخصائي القائم بالمقابلة بالترحيب و حديث عام عن الطقس مثلا، حتى لا تكون البداية حادة للعميل و يدخل في الموضوع تدريجيا، أما المقابلة اللاحقة فيتم التطرق للموضوع مباشرة.
أنواع المقابلة :
تخضع نوعية المقابلة أحيانا لطبيعة و لعدد أفراد العينة المراد دراستها، و تخضع أحيانا أخرى للهدف المرجو من ورائها، لذلك سنحاول أن نتعرض لأنواع المقابلات التي يمكن أن تفيد في ميادين العلوم الإنسانية، خاصة ميدان علم النفس و علوم التربية و التوجيه و الإرشاد بصفة عامة :
1- ممهدات المقابلة أو المقابلة المبدئية : و هي أول مقابلة مع العميل، و فيها يتم التمهيد للمقابلات التالية، حيث يتم تحديد إمكانيات الأخصائي و ما يتوقعه من العميل، حيث يقوم بشرح أهداف المقابلة و يوضح طريقتها و يطمئن العميل على أن المعلومات التي يدلي بها تكون سرية، و يتفاهم معه على طريقة تسجيل المقابلة.
2- المقابلة الفردية : تجرى وجها لوجه بين الأخصائي و العميل، و هي نوعان :
- المقابلة التي يعتمد فيها الأخصائي على الطريقة المباشرة، و هي أن يقوم الأخصائي بإدارة المقابلة و ذلك بطرحه الأسئلة على العميل الذي يجيب عنها، و تسمح للأخصائي بجمع المعلومات و صياغة المشكلة و معالجتها و الوصول إلى حلها، و من ثم تتبع العميل لكي لا يقع مرة أخرى ضحية لمشاكل مماثلة.
- المقابلة الفردية التي يعتمد فيها الأخصائي على الطريقة غير المباشرة، أو التي تتمحور حول العميل الذي يتحمل كل المسؤولية في حل مشاكله، و ذلك بتشجيع من الأخصائي عن التعبير الحر عن المشاعر و الرغبات و الانفعالات، و بالتعاون بينهما يتم اقتراح الخطوات التي سوف يتخذها العميل لحل مشكلته.
3- المقابلة الجماعية : و يقصد بها مقابلة الأخصائي لأكثر من فرد واحد في وقت واحد و مكان واحد، و الغرض من ذلك هو الحصول على معلومات عن الجماعة كلها أو توجيه العناية إلى فرد واحد أو اثنين في المجموعة، و في هذه الحالة فان كل فرد يجد في زملائه من يتشابه معه في مشاكله و يتعرف على قدراته و استعداداته و نواحي القوة و الضعف فيه، و هذا النوع يصلح للبحوث ذات العينات الكبيرة العدد مثل الطلبة.
4- المقابلة المقيدة و المقابلة المطلقة : قد تكون المقابلة مقيدة بأسئلة معينة يطرحها الأخصائي على العميل لكي يجيب عليها، و إعطائه اختبارات نفسية مقننة. و قد تكون المقابلة طليقة حيث لا يتقيد العميل بأي قيد و تترك له الحرية بان يتكلم عن كل ما يريد كما يجري في جلسات التحليل النفسي.
5- المقابلة القصيرة : هذا النوع من المقابلات يتم عادة في المدارس و المؤسسات التربوية عندما يكون وقت الأخصائي محدودا، أو عندما تكون المشكلة التي يتقدم بها الطالب سهلة تحتاج إلى توجيه بسيط و تساعد العميل على التبصر أكثر بمشكلته و تصحيح أفكاره و اتجاهاته.
6- مقابلة المعلومات : تهدف إلى جمع المعلومات الجديدة و التوسع في المعلومات القديمة و التأكد من صحتها.
7- مقابلة البحث الاجتماعي : تهتم هذه المقابلة بجمع بيانات تفصيلية عن الحالة منذ مولدها و تطورها و العلاقة بين الحالة و أسرتها و بمن لهم علاقة بالعميل، و تتوسع إلى النواحي الشخصية و الصحية و التعليمية و البيئة الاجتماعية.
8- المقابلة الإكلينيكية : يقوم الأخصائي بتقديم المساعدة التقنية للعميل قصد التخلص من المرض، أي الاضطراب النفسي الذي يعاني منه العميل، و ذلك بالتركيز على المشاعر و الدوافع و كل الخبرات الشعورية و اللاشعورية و ملاحظة السلوك اللفظي و الحركي و ملامح الوجه و الهيئة و الهندام.
9- المقابلة الإرشادية : تستغرق عملية الإرشاد عدة مقابلات، و هي مقابلات مهنية تتم فيها علاقة إرشادية في جو نفسي خاص يشجع العميل على التعبير عن أفكاره، يقول كل شيء و أي شيء عن مشكلته لان كل ما يقال مهم، و تحدث فيها كل إجراءات العملية الإرشادية مثل التداعي الحر، التنفيس الانفعالي، الاستبصار، التعلم، تغيير الشخصية المشوهة، حل المشكلات و اتخاذ القرارات.
10- المقابلة المعمقة : و هي المقابلة التي يقوم فيها الأخصائي بمعالجة مشكلة واحدة بذاتها و ذلك بشكل متعمق دون التطرق إلى الأطراف الجانبية منها، و هذه الطريقة تجعل اهتمام الأخصائي ينصب فقط على شيء معين، و حول موضوع محدد بدلا من تشعبه في الأسئلة، و خروجه بالتالي من موضوع المقابلة و كأنه يدرس جانبا واحدا من شخصية العميل و لا تهمه باقي الجوانب.
ضوابط لرفع صدق المقابلة :
بما أن المقابلة في أساسها عبارة عن محاور كلامية بين الأخصائي و العميل، فقد يكون للذاتية دورا في إدارتها و تفسيرها، و ربما حتى إعدادها لذلك، و قد اعد العالم ( ماكوسي ) ضوابط لرفع صدق المقابلة و هي :
- المقارنة بين أقوال العميل في المقابلة و بين الأدلة الموضوعية.
- التنبؤ عن السلوك بالمستقبل بناءا على توقعات العميل.
- التنسيق في خطوات المقابلة.
Aمبادئ المقابلة :
تحدث عدة علماء عن المبادئ الأساسية للمقابلة، من أبرزهم هادلي 1958 و هي :
1- وضع الأساس السليم للمقابلة، و ذلك بالاحترام المتبادل و عدم التعالي، و محاولة فهم العميل و تقبله و الاستعداد للمشاركة في حل مشكلته.
2- البدء السليم للمقابلة و ذلك بتوضيح غرضها للعميل.
3- وضع الأسئلة بصورة واضحة و بطريقة حيادية.
4- ترتيب الأسئلة حسب درجة و مستوى قلق العميل.
5- إعطاء المقابلة وقتها اللازم.
6- تسجيل المقابلة بأسرع وقت ممكن.
7- الصراحة المباشرة في الأسئلة الحساسة.
8- معالجة فترات السكوت بلباقة.
9- محاولة الكشف عما وراء الإجابات السطحية.
10- ملاحظة تناقضات العميل.
11- مواجهة الانفعالات العنيفة بطريقة هادئة.
12- إجابة الأخصائي عن الأسئلة الطارئة.
مزايا المقابلة :
1- إتاحة الفرصة للحصول على معلومات لا يمكن الحصول عليها عن طريق الوسائل الأخرى، مثل التعرف على الأفكار و المشاعر و الآمال.
2- إتاحة فرصة تكوين جو من الألفة و التجاوب و الاحترام و الثقة المتبادلة بين الأخصائي و العميل.
3- إتاحة الفرصة أمام العميل للتفكير و التعبير في حضور مستمع جيد.
4- إتاحة فرصة الاستبصار و الحكم على الأحكام الذاتية التي يصدرها أو يكونها كل من الأخصائي و العميل و العميل عن نفسه.
5- إتاحة فرصة التنفيس الانفعالي و تبادل الآراء و المشاعر في جو امن.
عيوب المقابلة :
رغم أن للمقابلة مزايا هامة، إلا انه تعددت مصادر النقد لفجواتها و عيوبها التي تتمثل في الآتي 1- انخفاض معامل الصدق و ذلك لاختلاف الاستعدادات و القدرات و الميول.
2- انخفاض معامل الثبات و ذلك لاختلاف مشاعر العميل تجاه خبراته و مشكلته من يوم لآخر.
3- التحيز الشخصي و الذاتية في تفسير المعلومات و النتائج، إذ قد يتأثر الأخصائي بخبراته و اتجاهاته و جنسه و دينه ... و قد يكون كذلك متحيزا عند تسجيل ملاحظاته و عند تحليلها.
4- عدم جدوى المقابلة إذا كان العميل طفلا صغيرا لا يحسن التعبير عن أفكاره و مشاعره.
5- أثناء المقابلة يمكن الإيحاء و لو بطريقة عفوية للعميل بنوع من الأجوبة التي يتبناها.
6- في بعض الحالات العميل يعطي ايجابات لا تعبر عن رأيه الحقيقي و هذا بسبب الخوف أو الخجل أو مشاعر التأنيب و الذنب.
:
: